الاثنين، 21 سبتمبر 2009

معنى اتقوا الله

ذاك التقى

,معنى التقوى
ما هي التقوى؟ حقيقة لا أظنه يمر علينا يوم أو يومان أو ثلاثة إلا ونسمع من يقول: اتقوا الله، ولكن لو أوقفت إنسانا، وسألته ما معنى التقوى؟ قد يضطرب في إجابته، أو قد يفسرها بتفسير محدود، أو قد يخل بمعناها، ولذلك نحن بحاجة ماسة إلى هذا المعنى.
أذكر كنت في مسجد من المساجد، أو في الحقيقة مصلى وليس مسجدا فقام شاب صغير بعد الصلاة وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الإخوة اتقوا الله، والسلام عليكم ورحمة الله ومشى.
في الحقيقة كانت موعظة بليغة، وبدأ الناس يتساءلون هو قال اتقوا الله ورجع، هذه الكلمة تعادل في الحقيقة محاضرات في هذا الموضوع، لكن ما هي التقوى؟ ما معنى التقوى التي أقول: طالما سمعناها؟.
لنسمع إلى بعض تعريفات التقوى:
سأل عمر بن الخطاب t سأل أبي بن كعب عن التقوى، وانظروا إلى السؤال العجيب والإجابة الأعجب، ماذا أجاب أبي بن كعب؟ جلس يلقي محاضرة عن التقوى، لا، قال له: يا أمير المؤمنين أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال: بلى، قال: ماذا صنعت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى.
نحن نسير في حياتنا يوميا في طريق مليئة بالأشواك تحتاج منا إلى التشمير، وإلى الاجتهاد حتى لا نقع في الخطأ، إن رفعت بصرك رأيت منكرا، إن خفضت بصرك رأيت منكرا، إن التفت إلى يمينك رأيت منكرا، إن التفت إلى الشمال رأيت منكرا، لا بد من الاجتهاد والتشمير فذلك التقوى يا أمير المؤمنين، ولذلك قال ابن المعتز يعبر عن إجابة أبي:

خـل الذنــوب صغيرها
وكبيرهــا ذاك التقـى


واصنع كماش فوق أرض
الشــوك يحذر ما يرى

لا تحــقرن صغــيرة
إن الجبال مـن الحصى

هذه الجبال التي ترون حصيات، هذه الوديان التي تسير أو تمشي على الأرض لقط، قُطر

لا تحــقرن صغـــيرة
إن الجبال مـن الحصى


سئل علي بن أبي طالب t عن التقوى فقال: التقوى هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل أربع كلمات عبر فيها الإمام t عن معنى التقوى؛ الخوف من الجليل، هل نحن فعلا نخاف من الجليل؟ أو نخاف من رؤسائنا؟ والله لقد رأيت بعض المسلمين يخاف من رئيسه أكثر من خوفه من الله -سبحانه وتعالى-.
قد تقولون: هل يمكن أن يحدث ذلك؟ أقول: نعم تجده ينفذ أمرا إداريا خطأ، فتقول له: يا أخي لا يجوز، يقول: ماذا أعمل؟ رئيسي يجبرني على ذلك، كيف أجبرك؟ قال: لو لم أفعل ذلك لنقلني عن مكاني، أو لسحب مني المسئولية، أو لحرمني من العلاوة إلى هذا الأمر.
طيب أتخشى من المخلوق ولا تخشى من الباري -جل وعلا -؟ الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل، وأقول -بحق-: في هذا الوقت -بالذات- مسألة العمل بالتنزيل مسألة تحتاج إلى حديث طويل، هل الناس الآن أو كثير من المسلمين وبالذات من يتولون أمور المسلمين، هل هم يعملون بالتنزيل فعلا ويتقون الله في ذلك؟ أو أنهم يطبقون الأنظمة أكثر من فهمهم لما في الكتاب والسنة؟
تأتي إلى بعضهم وتجده يحفظ الأنظمة حفظا دقيقا عجيبا، لكن تسأله عن حكم في الكتاب والسنة لا يفقه في ذلك شيئا، أين التقوى؟ المادة الفلانية تقول كذا، والنظام الفلاني يقول كذا، ولكن الآية الفلانية تقول كذا، والرسول r يقول كذا، ها ويبدأ في التفسيرات، ويبدأ في التأويل، ويبدأ بأقوال المفسرين وقول المحدثين، ولكنه النظام نص واحد لا يتجاوزه أبدا.
والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل؛ نحن ما قنعنا -أيها الأحبة- بالكثير فكيف نقنع بالقليل؟ والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل هذا الأمر المنسي.
وقال بعض العلماء: التقوى أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وقال بعضهم: التقوى أن تهتم بتزيين سرك ومخبرك أكثر من اهتمامك بتزيين مظهرك، نحن نهتم بلباسنا، بشكلنا، ببيوتنا، بسياراتنا، ولكن هل نهتم بداخلنا كما نهتم بهذه المظاهر؟
كل منكم يجيب على نفسه تجده يهتم بشكل البيت وخارجه ومظهره ومجلسه اهتماما عجيبا، حتى لو وجد خللا إذا كانت لديه مناسبة لغضب على أهله غضبا شديدا، وتجده يهتم بسيارته، بل يوجد من ينظفها يوميا، وتجده يهتم بلباسه ومظهره، أقول: التقوى أن تهتم -كما قال أحد العلماء- بتزيين سرك ومخبرك وباطنك أكثر من اهتمامك بمظهرك، هذه معاني -كما عرفها السلف -رضوان الله عليهم- عن قضية التقوى.

الأربعاء، 26 أغسطس 2009

الإمام القدوة مسروق بن الأجدع

الإمام القدوة مسروق بن الأجدع
إعداد - مجدي عرفات
اسمه ونسبه: هو مسروق بين الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة بن سلمان بن معمر ويقال: سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وادعة بن عمر بن عامر الهمداني، يقال: إنه سُرِقَ وهو صغير ثم وُجد فسمي مسروقًا، وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
شيوخه: حدث عن أبي بن كعب وعمر، وروى عن أم رومان ومعاذ بن جبل، وخباب وعائشة وابن مسعود وعثمان وعلي وعبد الله بن عمرو وابن عمر ومعقل بن سنان والمغيرة بن شعبة وغيرهم.
الرواة عنه: روى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب، وعبد الله بن مرة، وأبو وائل، وأبو الضحى، وأبو إسحاق، وأبو الأحوص الجشمي، وأنس بن سيرين، وأبو الشعثاء المحاربي وآخرون.
ثناء العلماء عليه:
قال مرة الهمداني وأبو السفر: ما ولدت همدانية مثل مسروق.
وقال: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق، وكان شريح يستشير مسروقًا، وكان مسروق لا يستشير شريحًا.
قال إبراهيم: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة والأسود وعبيدة ومسروقًا والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل.
قال ابن المديني: أنا ما أقدم على مسروق أحدًا.
قال ابن عيينة: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحد.
قال يحيى بن معين: مسروق ثقة لا يُسأل عن مثله.
قال العجلي: تابعي ثقة كان أحد أصحاب عبد الله الذين يُقرئون ويُفتون وكان يصلي حتى ترم قدماه.
قال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث صالحة.
قال أبو نعيم: ومنهم العالم بربه، الهائم بحبه، الذاكر لذنبه، في العلم معروف، وبالضمان موثوق، ولعباد الله معشوق، أبو عائشة المسمى بمسروق.
قال ابن حجر: ثقة فقيه عابد مخضرم.
من أحواله وأقواله:
قال الشعبي: خرج مسروق إلى البصرة إلى رجل يسأله عن آية فلم يجد عنده فيها علمًا، فأخبر عن رجل من أهل الشام، فقدم علينا هاهنا ثم خرج إلى الشام إلى ذلك الرجل في طلبها.
قال أبو الضحى: كان مسروق يقوم فيصلي كأنه راهب، وكان يقول لأهله: هاتوا كل حاجة لكم فاذكروها لي قبل أن أقوم إلى الصلاة.
قال إبراهيم بن المنتشر: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله ويقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم.
قال أبو إسحاق: حج مسروق فلم ينم إلا ساجدًا على وجهه حتى رجع.وعن امرأته قالت: كان مسروق يصلي حتى تورَّم قدماه، فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
عن مسروق قالت عائشة: يا مسروق، إنك من ولدي وإنك لمن أحبهم إليَّ، فهل لك علم بالمُخْدَج(1).
قال إبراهيم بن المنتشر: أهدى خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة إلى عمي مسروق ثلاثين ألفًا وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها.
قال أبو إسحاق السبيعي: زوج مسروق بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف لنفسه يجعلها في المجاهدين والمساكين.
قال أبو الضحى: غاب مسروق عاملاً على السلسلة سنتين ثم قدم فنظر أهله في خرجه فأصابوا فأسًا، فقالوا: غبت ثم جئتنا بفأس بلا عود، قال: إنا لله استعرناها نسينا نردها.
وقال الكلبي: شلت يد مسروق يوم القادسية وأصابته آمّة.
قال الشعبي: غشي على مسروق في يوم صائف وكانت عائشة قد تبنته فَسَمّى بنته عائشة، وكان لا يعصى ابنته شيئًا، قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب، قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرفق، قال: يا بنية، إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.
قال إبراهيم بن المنتشر: كان مسروق لا يأخذ على القضاء أجرًا، ويتأول هذه الآية: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم.
وقال أبو الضحى: سُئل مسروق عن بيت شعر، فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعرًا
قال مسروق: لأن أفتي يومًا بعدل وحق، أحب إليَّ من أن أغزو سنة.
قال: ما بقي شيء يُرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى
قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله تعالى، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله.
قال: من سره أن يعلم علم الأولين والأخرين وعلم الدنيا والآخرة فليقرأ سورة الواقعة
قال الذهبي: هذا قاله مسروق على المبالغة لعظم ما في السورة من جُمل أمور الدارين، ومعنى قوله: فليقرأ الواقعة أي يقرأها بتدبر وتفكر وحضور ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارًا
قيل له: أبطأت عن عليٍّ وعن مشاهده، قال: أرأيتم لو أنه حين صفّ بعضكم لبعض فنزل ملك فقال: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما أكان ذلك حاجزًا لكم؟ قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم وإنها لمحكمة ما نسخها شيء
أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة قال: ألا أريك الدنيا، هذه الدنيا أكلوها فأفنوها، لبسوها فأبلوها، ركبوها فأمضوها (أخلفوها وأبلوها) واستحلوا فيها محارم وقطعوا فيها أرحامهم
قال رحمه الله: ما من شيء خير للمؤمن من لحد قد استراح من هموم الدنيا
كان يتمثل
ويكفيك مما أغلق الباب دونه
وأُرخي عليه الستر ملح وجردق
ماء فرات بارد ثم تغتدي
تعارض أصحاب الثريد الملبق
تجشأ إذا ما تجشوا كأنما
غذيت بألوان الطعام المفتق
قال: إني أحسن ما أكون ظنًا حين يقول لي الخادم: ليس في البيت قفيز ولا درهم
قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنونه ويستغفر منها
قال: لقد اختلفت إلى عبد الله بن مسعود من رمضان إلى رمضان ما أغبه يومًا
قال أبو الأحوص: سمعت ابن مسعود يقول لمسروق: يا مسروق، أصبح يوم صومك دهينًا كحيلاً وإياك وعبوس الصائمين، وأجب دعوة من دعاك من أهل ملتك ما لم يظهر لك منه معزاف أو مزمار، وصَلّ على من مات منهم، ولا تقطع عليه الشهادة، واعلم أنك لو تلقى الله بأمثال الجبال ذنوبًا خير لك من أن تلقاه- كلمة ذكرها- وأن تقطع عليه الشهادة، يا مسروق وصلّ عليه وإن رأيته مصلوبًا أو مرجومًا فإن سئلتَ فأحل عليَّ وإن سئلتُ أحلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم
قال الشعبي: ما كان مسروق يشير على شريح بشيء إلا أطاعه
قال مسروق: لا تنشر بزّك إلا عند من يبغيه، أي لا تنشر علمك إلا عند من ينتفع به.
قال أبو وائل: لما احتضر مسروق قال: أموت على أمر لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، أما إني لست أدع صفراء ولا بيضاء إلا ما في سيفي هذا فبيعوه وكفنوني بهقال مسروق: ما عملت عملاً أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت مسلمًا ومعاهدًا دينارًا ولا درهمًا ولكن بي هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر، فقيل له: ما حملك على الدخول فيه؟ قال: لم يدعني شريح وزياد والشيطان حتى أدخلوني فيهوفاته: توفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وستين، وقيل ثلاث وستين
المراجعتاريخ دمشق لابن عساكر
حلية الأولياء
سير أعلام النبلاءتقريب التهذيبهامش (1) المخدج اليد: أي يده ناقصة الخلق قصيرة

الأربعاء، 15 يوليو 2009

تعليمنا والعلم المفقود

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجدت في مكتبة الأكاديمية الأسلامية المفتوحة ملفاً بعنوان اقتضاء العلم العمل
ووجدت فيه هذه المقالة المفيدة للدكتور محمد بن عبد الله الدويش حفظه الله تعالى
http://www.islamacademy.net/Index.aspx?function=Category&id=528&lang=Ar


تعليمنا والعلم المفقود

إن المتأمل في التعليم السائد اليوم -سواءً كان على مقاعد الدراسة، أو حتّى في حلق العلم ودروس المساجد- يرى أن هناك إهمالاً عند الكثير في العناية بتعليم الرقائق والأدب والسلوك، وأنهم شغلوا كثيرًا بتعلم المسائل الاختلافية وآراء الرجال، وصار الحديث في هذه القضايا من اختصاص الوعاظ القصاصين وحدهم؛ لذا غلبت علينا قسوة القلب، وفعلت الأهواء بنا ما فعلت -إلا من رحم ربك- وهذه إشارات عاجلة تؤكد أهمية العناية بهذا الجانب من العلم، وضرورة تقريره ضمن مناهج التعليم؛ إن كنا نريد أن تُخَرِّج لنا هذه البرامج علماء ربانيين.
إن هذا المطلب الملح تدفع إليه الحقائق الآتية:
• أولاً: طالب العلم داعية ومعلم بفعله قبل قوله.
إن طالب العلم، وهو يسعى لنشر الخير والعلم لدى الناس، لا يقف دوره عند مجرد تبليغ المسائل بقوله، بل يجب أن يرى الناس ذلك من خلال سلوكه وسمته، لهذا قال أبو العالية: "كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء لم نأخذ عنه".[رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل 409].
بل كان السلف يعدون تعلم هدي العالم وسمته مطلبًا أعلى من تعلم المسائل، قال إبراهيم: "كنا نأتي مسروقًا فنتعلم من هديه ودله". [جامع بيان العلم وفضله 1/127].
وقال ابن سيرين: "كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم". [جامع بيان العلم وفضله 1/127].
وروى ابن المبارك عن مخلد بن الحسن: "نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى كثير من حديث". [جامع بيان العلم وفضله 1/127].
وأوصى حبيبٌ الشهيدُ -وهو من الفقهاء- ابنَه فقال: "يا بني، اصحب الفقهاء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم؛ فإنه أحب إلي من كثير من الحديث". [جامع بيان العلم وفضله 1/127]. فكم يترك أثرًا على تلامذته، وعلى عامة الناس من خلال هديه وسمته، وسلوكه وعمله، بل وكم يمحو الخلل في سلوكه الكثير والكثير مما يدعو الناس إليه بقوله.
• ثانيًا: عوائق في وجه طالب العلم.
يتعرض طالب العلم لمزالق خطيرة، وعوائق تعرض له كما تعرض لسائر الناس، بل هي ربما كانت في حقه أخطر، ومنها:
1- الإعجاب بالنفس، وهذا -عافنا الله- عنوان الضلالة، وبداية الشطط والانحراف، وليس أدل على ذلك من أن الشيطان إنما طرد من رحمة الله، وكتبت عليه اللعنة إلى يوم الدين بسب العجب والغرور الذي قاده للاستكبار عن أمر الله، قال الغزالي: "والقلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم، ومحل استقرارهم، والصفات الرديئة مثل: الغضب، والشهوة، والحقد، والحسد، والكبر، والعجب ... وأخواتها، كلاب نابحة، فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب". [إحياء علوم الدين 1/49].
2- الحسد، وهو خصلة ذميمة، وصفة قبيحة، يسعى الشيطان إلى إهلاك الصالحين بأن يقذفها في قلوبهم.
3- الهوى، وحين يستحكم بصاحبه يريه الحق باطلاً، والباطل حقًا، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا.
4- لبس الحق بالباطل، وكتمان الحق، ولهذا أخذ الله المواثيق على الذين آتاهم العلم: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران:187]، وتوعد الذين يكتمون العلم فقال -تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ﴾ [البقرة:159]، ولم يقبل تبارك وتعالى توبة هؤلاء إلا بشرط البيان فقال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة:160].
5- التوصل بالعلم للأغراض والمكاسب الشخصية، ولهذا توعد الله -تبارك وتعالى- أمثال هؤلاء الذين يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ [البقرة: 174-175]، ولله در الجرجاني رحمه الله حين قال:
يقولون لي فيك انقباض وإنما *** رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجم
أرى الناس من داناهم هان عندهم *** ومن أكرمته عزة النفس أكرم
ولم أقض حق العلم إن كان كلما *** بدا طمع صيرته لي سلمً
إذا قيل هذا مورد قلت قد أرى *** ولكن نفس الحر تحتمل الضم
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي *** لأخدم من لاقيت لكن لأخدم
أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة *** إذًا فاتباع الجهل قد كان أحزم
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم *** ولو عظموه في النفوس لعظم
ولكن أهانوه فهان ودنسوا *** محياه بالأطماع حتى تجهم
وليس المقصود هنا تعداد الآفات التي يمكن أن يقع فيها طالب العلم، فهذه أمثلة تدل على ما سواها، ونماذج تذكر بأخواتها، فما السبيل لتجاوز هذه الآفات؟ وما الطريق لاجتنابها؟ وهل نحن نعلم طالب العلم ما يكون له وسيلة لتجاوزها؟ أم أننا نعنى بإعطائه الأداة ونهمل بناء النفس التي تحمله؟
• ثالثا: صفات أهل العلم في القرآن.
إن التعلم يهدف للرقي بالمرء إلى منازل أهل العلم، فما صفاتهم في كتاب الله عز وجل؟
أ- فهم يسجدون لله، ويخشعون، ويبكون حين يسمعون آياته: ﴿قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيزِيدُهُمْ خُشُوعً﴾ [الإسراء 107: 109]، إنه ليس هديًا خاصًا بهذه الأمة؛ بل هو سنة في من كان قبلنا.
وقال عبد الأعلى التيمي: "من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علمًا ينفعه؛ لأن الله –تعالى- نعت العلماء، ثم قرأ القرآن: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيزِيدُهُمْ خُشُوعً﴾ [الإسراء 107: 109]". [أخرجه الدارمي 296].
ب- والعلماء هم أهل الخشية لله -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر:28].
ج- والذين يعلمون يقنتون لله سجدًا وقيامًا، يحذرون عذابه ويرجون رحمته: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9].
أليس من واجب طالب العلم أن يتصف بهذه الصفات، وأن يتطلع إلى هذه المنازل؟!. فهل في تعليمنا ما يحققها لديه ويغرسها في نفسه؟! ونعوذ بالله إن كان فيه ما يمحو بقية أثرها ويزيله، فهذا عنوان البوار والهلاك.
• رابعًا: العناية به في عصر النبوة:
ويصور لنا ذلك أحد شبان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنهم كانوا يعنون بتعلمه، فعن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانًا". [رواه ابن ماجه 61].
فهو يذكر لنا -رضي الله عنه- جانبًا هامًا من جوانب التعلم، والتي قد غفل عنها كثير من طلبة العلم اليوم، فأهملوا تعلم الإيمان ومسائله، وشعروا أن العلم إنما يتمثل في تعلم مسائل الأحكام وحدها، والعناية بجمع آراء الرجال واختلافهم حول مثل هذه المسائل، ونسي أولئك أصل الأصول وأساس الأسس، لذا فلا نعجب حين ندرك هذا الخلل؛ أن نرى عدم التوافق بين ما يحمله بعض الناس من العلم وبين سلوكه وسمته.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: (هذا أوان يختلس العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء)، فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله، وكيف يختلس منا، وقد قرأنا القرآن؟ فو الله لنقْرَأَنَّه ولنُقْرِئَه نساءنا وأبناءنا. فقال: (ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فما ذا يغني عنهم؟!)
قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، قال: قلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء، فأخبرته بالذي قال، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت أخبرتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلاً خاشعًا. [رواه الدارمي 293].
وانظر -رحمك الله- كيف عد عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- الخشوع علمًا، وأنه أول علم يرفع.
ويحكي لنا حنظلة -رضي الله عنه- صورة من مجالسهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث إذ يقول: "لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك؟!)
قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده: إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة .. ثلاث مرات). [رواه مسلم 2750].
والشاهد من الحديث: أن تلك المجالس التي كانوا يجلسون فيها مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تبلغ بهم إلى هذه الحال.
• خامسًا: عناية السلف به.
ولقد كان السلف -رضوان الله عليهم- يعنون بذلك، فها هو ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "ليس العلم بكثرة الروية، إنما العلم خشية الله". [جامع بيان العلم وفضله 2/ 52].
ومالك رحمه الله يقول: "العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرة المسائل". [جامع بيان العلم وفضله 2/ 52].
وقال أيضًا: "إن حقًّا على من طلب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعًا لأثر من مضى قبله". [الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 1/ 156، وانظر: آداب طالب العلم لمحمد رسلان].
وقيل لسعد بن إبراهيم: من أفقه أهل المدينة؟! قال: "أتقاهم لربه". [أخرجه الدارمي 300].
ولعل من صور عناية السلف به: أنك لا تكاد تجد كتاب حديث يخلو من أبواب الزهد والأدب والرقاق، بل وصنفوا مصنفات خاصة في ذلك:
= كالجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب.
= والمحدث الفاصل للرامهرمزي.
= وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
= وأخلاق العلماء، وأخلاق أهل القرآن، كلاهما للآجري.
فهل نعيد الاعتبار لهذا العلم المفقود؟!.